ترجمة لمقال عن الدير
١٦ أبريل ٢٠١١
قد نشر المقال التالى فى شهر يونية من العام الماضى فى مجلة
COMMUNITRY TIMES
أرض المعجزات و اخراج الشياطين
فى المقطم مساء كل خميس يقام اجتماع وصلاة لشفاء المرضى فى كنيسة على شكل كهف أو مغارة. دعونا نغوص فى اعماق هذه المنطقة والتي تعد المعجزات فيها ليست بالشئ الغريب أو النادر ونتعرف على شعب مختلف ومتميز للغاية.
للكاتب لويس سارنت
تعد منشية ناصر منطقة قبطية حيث ان غالبية سكانها هم من الأقباط... وتقع أسفل جبل المقطم وهى المكان الذى يقطنه جامعى القمامة حيث يطلق عليه ايضا حى الزبالين الذين يجمعون القمامة من القاهرة. فبالرغم من وجود عدد من المنازل التى يسكنها المسلمون وبالرغم من وجود مسجد صغير على احد جانبى الطريق الاسفلتى والمملوء بالقاذورات إلا أن الأقباط يشكلون الغالبية العظمى بالمقارنة بجيرانهم من المسلمين.
على جانبي الطريق الرئيسي في منشية ناصر ترى أكياس الزبالة البلاستيك التي تكون ارتفاعات هائلة ترقد جوار المخابز ومحلات البقالة ومحلات الجزارة والفاكهة وغيرها من المحال المختلفة المزينة بالصور الدينية المختلفة.
إلى الأمام يأخذ الطريق فى الارتفاع قليلا حيث منطقة تدعى منطقة الدير... لكنك لا تستطيع ان تلمح اى دير بالرغم من أن هناك 6 كنائس جميلة جدا قد شيدت فى جوف او حضن الجبل فى هذه المنطقة المنعزلة. وقرب النهاية ينحرف بك الطريق لتجد جبل المقطم بصخوره الضخمة والملونة منحوت بداخلها صور مقدسة للسيد المسيح ... قام بنحتها "ماريو" فنان من بولندا.
هذه هى منطقة الدير وهى ارض واسعة بها "كافيتريا" مليئة بالشباب والشابات الذين يستمتعون ببعض الانطلاق. ثم تجد الكنيسة أو المغارة العملاقة المنحوته فى وسط الجبل "كنيسة السيدة العذراء و القديس سمعان الخراز" التي تسع عشرين الف شخص وهنا وأمام هذا المنظر تشعر بمدى محدودية العقل البشرى على استيعاب بل وادراك الكيفية التى تم بها انجازمثل هذا العمل الجبار.
تجذب عظة ابونا سمعان مساء كل يوم خميس الآلاف من البشر من كافة الانحاء بعضهم من المقطم و البعض الاخر من القاهرة وضواحيها ومن باقي المدن والقرى حيث المكروباصات والأتوبيسات التي تحمل البشر من المسيحين المؤمنين اللذين يعبرون الى منطقة الدير مرورا بهذا الشارع الضيق ذو الرائحة الكريهة الى ان يصلوا للدير!! حيث يافطات "ممنوع التدخين"... حيث الهدوء والإحساس بمكان يحتفظ بنقائه الاصلى ,,,هذا المشهد المتضارب و المؤثر فى آن واحد يعطى شعورا داخليا بالتناغم و السكون و الصفاء.
قصة سمعان الدباغ
لكى نفهم السر وراء اختيار قس هذه المنطقة لاسم سمعان بدلا من اسمه الاصلى فرحات و ايضا لماذا سميت الكنيسة بل الدير باسم سمعان الخراز يجب ان نرجع الى الوراء و نبحث فى التاريخ ... فمنذ الاف السنين وفى العصر الفاطمي كان يحكم مصر خليفة يتمتع بقدر عظيم من الحكمة والتفهم والمرونة خاصة في الأمور الخاصة بالدين و الذى كان يشجع كل من المعلمين المسلمين و المسيحين و اليهود ان يتحاوروا ويتناقشوا فى الامور الدينية بحرية و احترام للاخر.
و فى يوم ما قامت مشاده بين معلم يهودى و بين بطريرك الاقباط الذي كان يدعى ابرام مما ادى به الى ان يفكر فى مكيدة لكى يوقع بالانبا ابرام و ذلك عن طريق اية جاءت فى الكتاب المقدس فى متى 17: 20 تقول الحق الحق اقول لكم لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل ولا يكون شئ غير ممكن لديكم.....و اقنع المعلم اليهودى الخليفه بان يمتحن ايمان الشعب المسيحى عن طريق اثباتهم مدى مصداقية هذه الاية عمليا... وعليه يتحتم مصير الشعب المسيحى كله فى مصر...
اعطى الخليفة للبطريرك مهلة ثلاثة ايام فقط لكى يحقق هذة الاية أو ينفذ هذه المعجزة كما هو مكتوب فما كان منه الا انه قام بتحذير الشعب المسيحى بخطورة الموقف وتشجيعهم على الصلاة والصوم مده الثلاث ايام و كان انه فى اليوم الثالث ان الانبا ابرام رأى العذراء مريم فى رؤية وهى تعلن له عن شخصية الرجل الذى سوف تتم المعجزة عن طريقه وهو سمعان الخراز (صانع أحذية) و فعلا فى هذا اليوم وعند الغروب ارتفع الجبل ثلاث مرات (مما ادى الى انتقاله من مكانه لعدة كيلومترات) وفى المره الثالثة شوهدت الشمس اسفل الجبل.
هذه المعجزة التى أنقذت المجتمع المسيحى بأكمله من فناء محقق مازالت حيه الى يومنا هذا... مما يفسر اختيار اطلاق اسم سمعان على فرحات و على الكنيسة ايضا. معجزات كثيرة مازالت تحدث بكنائس المقطم و التى تبرر اختيار اسم صانع الاحذية.
اخراج الشياطين
فى يوم الخميس مساء وخلال الساعة و النصف الاولى تقام الصلوات و التسابيح لله والاستماع لعظة القس سمعان فى الكنيسة الكبيرة "كنيسة سمعان الخراز" ذات المدرجات. وحوالى الساعة التاسعة مساء ينقسم الجمع الى قسمين جزء يرجع الى منازله و جزء يستمر لمتابعت صلاه شفاء المرضى و اخراج الشياطين وينتقلوا الى كنيسة تدعى "كنيسة مارمرقص" وهى كنيسة على شكل مغارة وهى اصغر من السابقة و تسع حوالى الفى شخص يستطيعون الجلوس بشكل مريح وبدون شعور برهاب الاحتجاز في أماكن مغلقة... كانت هذه الكنيسة قديما كهف أو مغارة مليئة بالحجارة والصخور حوالي مئة وأربعين ألف طن.
وقد صممت هذه الكنيسة على شكل مسرح به كراسى خشبية تطوى وغير مريحة نوعا ما وفى الوسط يوجد المسرح الذى تتم عليه الصلاه لاخراج الارواح الشريرة.
على جانبي هذا المسرح المتمركز فى وسط هذه المغارة الجميلة تجلس النساء على احد الجوانب و الرجال على الجانب الاخر وبطريقة منظمة. و بالرداء الاسود و اللحية الرمادية الكثيفة والصليب الخشب في اليد اليمنى يقف ابونا سمعان ليخاطب الجمع بكلمات الحكمة التى تشع جو من الهيبة على الحاضرين. وهناك ايضا اوركسترا صغيرة يقودها مجموعة من المرنمين يقومون بتقديم عدد من التسابيح والترانيم المعروفة والتي تمجد يسوع اثناء عملية اخراج الارواح.
يستطيع المرء متابعة كلمات الترانيم على شاشة كبيرة واضحة تعرض عليها الترانيم مكتوبة على خلفيات جميلة مصورة لأناس فرحين ومهللين.
ثم تصعد سيدة على المسرح تقف امام ابونا سمعان جسدها يرتجف عندما يرفع ابونا الصليب ويضعه على جبهتها وهو يصلى, لحظات وتنطرح هذه السيدة على ارض المسرح شبه فاقدة الوعى وتقوم خادمة فى الحال بتغطية جسد السيدة بملاية بيضاء ثم يقترب ابونا سمعان من هذه السيدة فيبدأ جسدها ينتفض و يتقلص بتشنجات مختلفة وصراخ يعلو مدويا مما يلفت انتباه جميع الحضور بلا استثناء ثم يقوم ابونا بخبطها بالصليب الخشبى عدد من المرات حتى يهداء الجسد تماما ثم يأخذ الميكروفون ويسأل الروح النجس الذى بداخلها:
كم عددكم ؟ فتصرخ السيدة أكثر واعلى فيفزع الحاضرون ثم يجاوب "ستة" فيبدأ الأب الكاهن بالصلاة لهذه السيدة باسم المسيح وباسم الصليب ثم يأمرها بحزم ان ترفع قدمها الشمال الى اعلى فتبدأ القدم في الارتفاع من اسفل الملاية متخذه اشكالا غير طبيعية ثم يأمرها ابونا بان تنزل القدم مرة اخرى فتفعل ذلك وفى المرة الثالثة التى ترفع فيها القدم الشمال يأمر ابونا الروح النجس بالخروج من هذا الجسد وتركه عند ملامسة القدم للارض للمرة الاخيرة.
وفى هذه اللحظة واحدة من العدد الضخم من الخادمات المتواجدات على المسرح تقوم بمناولة ابونا سمعان ماء البركة من زجاجات معدة سابقا حيث يقوم برش وجه هذه السيدة المسكينة الملقاه على الارض عند ملامسة قدمها للارض ويأمر الارواح الشريرة بالخروج فورا منها وعدم الرجوع ايضا. بعدها تقوم الخادمات بمساعدتها للنهوض مرة اخرى ويدعوها ابونا سمعان بان تحرك رجلها وان تضرب الارض ثلاث مرات باسم الاب و الابن و الروح القدس. ثم تقوم السيدة بترتيب وضع الحجاب على راسها مرة اخرى ثم ترحل من الكنيسة.
من الجائز ان تشعر بان الامر غير عادى أو غريب لكن عدد كبير جدا من الرجال و النساء المسلمين يأتون الى ابونا سمعان لكى يصلى من اجلهم ويساعدهم فى اخراج الارواح الشريرة من اجسادهم. يحدث هذا ايضا فى الكنيسة المرقسية برمسيس حيث يقوم ابونا مكارى يونان ايضا بالصلاه و اخراج الارواح الشريرة كل يوم جمعة مساء.